رواية ندوب الهوي بقلم ندا حسن
المحتويات
عاد جاد إلى والده مرة أخرى ورسم على وجهه ملامح الهدوء والراحة حتى يفهم أن الخلاف الذي حدث بينه وبين زوجته قد مر وتناسى ما حدث به الأساس..
ورأى الجميع ذلك وهناك الكثير منهم لم يدلف الأمر عليه بهذه السهولة ذهب كل منهم إلى بيته وبقي هو فقط هناك طلب منه والده العودة إلى زوجته رفض رفضا قاطعا فطلبت والدته أن يأتي بها إلى هنا رفض أيضا معللا بأن هذه أفضل لهم هذه الليلة..
طب ما هدير كده مش غلطانه.. أي واحدة مكانها هتعمل كده وأكتر
رفع حاجبه وهو يستدير ينظر إليها قائلا
يعني أنت لو مكانها هتعملي كده
تحولت نظرتها عندما وضعها في مثل ذلك الموقف وهتفت بقوة وهي تنظر داخل عينيه
عاد مرة أخرى يتفق معاها وهو يكمل سيره إلى الأسفل على الدرج قائلا بجدية مستنكر وقفتهم أمام الجميع
مقولتش حاجه بس المفروض مكنش يكون قدامنا كل اللي حصل ده
وضعت يدها على ظهره وهي تهبط بهدوء وراحة بعد أن شعرت بتوعك معدتها أجابته بصوت خاڤت
هتف بجدية شديدة مدافعا عن ابن عمه وشقيقه وهو يخرج من باب المنزل إلى الشارع يعبر معها الناحية الأخرى لمنزلهم
أيوه بس جاد مابيعملش حاجه غلط.. هو أكيد فاهم هو بيعمل ايه
نظرت إليه في سيرها بقوة مستغربه من موقف هذا مع ابن عمه حتى ولو كان في الخطأ!..
بلاش تدافع عنه.. يعني يسمحلها تطاول معاه بالشكل ده قدام مراته وتستفزها قدامنا إحنا كمان وتقولي مش بيعمل غلط
قصدي إن فيه سبب
دلفوا إلى منزلهم وببطء تصعد الدرج خلفه قائلة بجدية مثله مستمرة في الدفاع عن شقيقتها
وليه يخبي السبب ده عنها ويزعلها بالشكل ده ويحرجها قدامنا
تضايق منها ومن حديثها
فهتف بعناد يظهر أنها كانت من الممكن أن تصمت لحين وصولها منزلهم
أختك هي اللي اتكلمت قدامنا وهو حاول يسكتها.. كان ممكن تستنى لما تروح بيتها معاه
أهو مشي معاها ورجع تاني ايه اللي حصل يعني
زفر بضيق وانزعاج وهو يرى على بعد مسافة عراك وشيك بينهم ف أنهى الحوار ببساطة
بقولك ايه بلاش ۏجع دماغ الموضوع مايخصناش مش هنتخانق عليه
نظرت إليه
بسخرية وودت الضحك وهي تهتف
مكنتش هتخانق أصلا أنت اللي......
بترت حديثها وهي تشعر بتوعك معدتها أكثر وتشعر بأنها تود التقيؤ كرمشت ملامحها وهي تزفر پعنف نظر إليها وتسائل بقلق ولهفة ظاهرة على ملامحه
أشارت إلى باب الشقة وتحدثت بصعوبة وهي تضع يدها على فمها
أفتح الباب
وضع المفتاح بالمزلاج سريعا وهو يراها تضع يدها بقوة على فمها فتح الباب فدلفت تركض إلى المرحاض بسرعة كبيرة ذهبت من خلفه في لمح البصر فشعر بالقلق الشديد وهو يغلق الباب بعد أن أخذ منه المفتاح ودلف خلفها بسرعة يهتف بلهفة
مريم.. مالك
دلفت إلى المرحاض والباب مفتوح وأخذت تتقيء بقوة وعڼف فدلف خلفها ليقف جوارها فتحت صنبور المياة لتغسل وجهها بالمياة الباردة وهي تهتف بقلة حيلة
مش عارفه
أردف بعد أن لاحظ أن هذه ليست المرة الأولى في هذه الفترة
القصيرة
دي مش أول مرة تحصل أنت محتاجه تروحي لدكتورة تشوف مالك
شعرت هي أيضا بوجود خطب ما ربما ستحبه كثيرا وتشعر به حقا!.. أومأت إليه مؤكده
أيوه... أيوه هروح
أمسك بيدها يحثها على السير إلى الخارج وهو معها بهدوء وراحة
طيب تعالي.. تعالي ارتاحي شوية
اردفت وهي تسير جواره بعد أن فكرت فيما تريده الآن بالتحديد نظرت إلى جانب وجهه وقالت بهدوء
أنا عايزة حاجه حادقة
ابتسم بهدوء وتحدث بجدية ونبرة رجولية هادئة
اجبلك ايه طيب
عايزة مانجا
استنكر طلبها ونظر إليها باستغراب وأردف مجيبا إياها
وهي المانجا حادقة مش المفروض الحادق ده جبنه قديمة مثلا
جلست على الأريكة وأردفت بقوة
أنا عايزة مانجا وخلاص الله
ابتسم بهدوء ومال على رأسها يقبلة بحنان وهدوء وقال ناظرا إليها بحب
حاضر.. هنزل اجيب مانجا حاجه تاني
ابتسمت إليه هي الأخرى شاعرة بكم كبير من الحب الذي يلقيه عليها دون مقابل منها
لأ..
تحرك ذاهبا ناحية باب الشقة ليهبط مرة أخرى يأتي بما طلبته ولكنها استوقفته قائلة
آه استنى
أجاب بهدوء وهو يستدير إليها وكل ما تفعله محبب إليه
نعم يا حبيبتي
ابتسمت بخجل وهي تخفي عينيها بوضوح وقالت بصوت خاڤت
عايزة تين مع المانجا
وكأنها تطالب بالحب منه وهذا ما يريده ليس إلا
حاضر.. غيره!
لأ كفاية كده
ذهب إلى باب الشقة وخرج منه بهدوء ذاهبا يلبي طلبها ويأتي بما تريد ونظرت هي في أثره تبتسم بسعادة على كم الحب هذا والحنان الذي يلقيه عليها من كل جانب دون انتظار منها أي شيء يقابله..
الله يغدق عليها بنعم كثيرة تعوضها عما واجهته من قبل والآن المكافأة الكبرى ستكون طفل داخل أحشائها!. أنها تشعر به..
صباح اليوم التالي
استيقظ جاد في الصباح وجد أن والده ووالدته يجلسون في شرفة المنزل ليستمتع والده ببعض الهواء المنعش دلف إلى المرحاض وخرج إلى شرفة المنزل ليطمئن على والده ثم من بعدها هبط ليذهب إلى زوجته ليفعل ما تحدث به بالأمس مع والده..
حيث أن بعد رحيل الجميع بقى هو ووالديه فقط في الشقة فبدأ والده بالأسئلة التي هبطت عليه على حين غرة منه وهو يحاول أن يفهم ما الذي فعله بزوجته لتكن بتلك الحالة الثائرة أمام الجميع وهي التي تتمتع بأخلاق حميدة ولا ترفع صوتها أمام أحد..
مؤكد أنه قادها للجنون بفعله خاطئة فحدث ما حدث ولكن رد جاد بقي كما هو أنها تشعر بالغيرة فقط من إمرأة ليست تليق به بجميع الحالات فقط كان لديها عمل معه وفي مرة قام بمساعدتها لذلك مثل أي شخص طبيعي قامت بتلبية نداء الواجب أمامه على الأقل..
وادعى أن ما فعلته زوجته هو الذي كان خاطئ لأنها جعلته يبدو كدمية هي من تحركه ولم يكن له دور في أي شيء وبالخصوص أمام تلك السيدة التي اهانتها في بيته..
جعله والده يصمت بعد قول كل ذلك ولم يعطي إليه الفرصة ليكمل بل قال هو أن هذا البيت ملك لزوجته قبل منه والبيت الآخر ملك لها هي وشقيقتها قبله هو وابن عمه جعله يشعر بالندم لما فعله وهو يوبخه بسبب صراخه عليها أمام الجميع وتهوره الذي جعله يرفع يده في لمح البصر ليهوى بها على الحائط وكأنه سيضربها..
كان من الممكن أن تمتد يده إليها لقد جعله يشعر بالخجل من نفسه لأنه فعل كل هذا وفي حضورهم اعتقادا أن ليس هناك أحد يقف قبالته ويأخذ حقها منه ولكن والده ما زال حي يرزق ولن يرضى بأن يفعل أي من هذا بها لأنه منذ أن تزوج منها وهو يستمع عنها كل طيب يجعله يرفرف لأنها كانت من نصيب ابنه..
أكمل توبيخه جاعله يشعر بالخذلان من نفسه لأنه لم يعطيها حق الغيرة والخۏف عليه بل سلبه
منها وكأنها امرأة غريبة عنه لا يحق لها الحديث ولا التدخل في شؤونه لا يحق لها أن تشعر بالغيرة وقلبها ېحترق لأجل نظرة واحدة منه لغيرها أو العكس!.
وما جعله يحزن بشدة عندما تحدث عن أمر الصور التي كانت في الحارة قال بأنها لم يكن لها يد بما حدث بل كانت ضحېة مثله تماما وكان من المفترض أن يكون هو الاحتواء والأمان لها في مثل هذا الموقف
وحقيقة لم يكن يتوقع منه تركها بل ومعاقبتها لقد تفاجأ من حديث والدته عن ما فعله
معها!..
خجل جاد بشدة من نفسه وهو يقلب حديث والده داخل رأسه إنها حقا لها كامل الحق في شعورها بالغيرة عليه مثلما يفعل هو تماما لما قد يسلب منها هذا الحق.. لما..
هو فقط ما ضايقه وقفتها أمام الجميع وصړاخها عليه ارتفاع صوتها وحركاتها الهوجاء الذي أظهرت كثير عنها أمام ابن عمه وهذا لا يجوز حديثها مع عبده دون خجل أو خوف منه..
إذا بحث عن أسباب تضايقه أكثر سيجد ولكن أيضا مهما حدث هي إمرأة وأنثى رقيقة ناعمة مهما أظهرت أنها شرسة وعڼيفة فهي ليست كذلك معه عليه أن يقوم باحتوائها والاعتذار منها عما بدر منه وأهم من كل هذا أن يجعلها تطمئن من كاميليا ويبعد ذلك التفكير السيء عن رأسها..
فتح باب الشقة بمفاتحه ثم دلف إلى الداخل وأغلقه خلفه رفع نظرة إلى الصالة بعد أن خلع حذائه ليجدها تنام في الصالة!.. تنام في الصالة بملابسها منذ أمس حتى أنها لم تبدلها لأخرى بيتيه فقط قامت بخلع الحجاب عن رأسها!..
تقدم إلى الداخل بهدوء وهو ينظر إلى الساعة التي أصبحت الحادية عشر صباحا ذهب بهدوء شديد حتى لا يزعجها ويتأمل مظهر طفلة صغيرة نائمة في بيته قليلا..
اتكأ على يده ثم جلس على الأرضية أمامها أمام وجهها مباشرة ينظر إليها بعمق وقد أنتج ذلك حزن كبير في قلبه بسببه هو فقط!..
نظر إلى وجهها بدقة ليرى عينيها منتفخة بقوة جعلته يلاحظها من نظرة واحدة ووجهها على غير العادة يبدو مرهق إلى حد كبير لم تصل إليه معه من قبل ربما كانت تبكي هنا منذ أن تركها ورحل!..
هو لم يقصد أن يفعل أي شيء يجعلها حزينة بل قام في الأمس بمحاولة الحديث معها ورحل دون صړاخ أو أي شيء وشعر أن أمر مصالحتها سيكون سهل!..
يتأملها ولا يدري ما الذي حدث بينهم! لقد كانوا من أسعد البشر زوجين ولا أروع منهم تعطيه ما يريد ويبادلها بذلك حتى إنه من قبل الإعتراف بالحب لبعضهم كانوا أفضل من هذه المرحلة بكثير كيف وصل معها إلى هذا الطريق المغلق الذي علقوا به كيف يخرج منه من الأساس بعلاقة سليمة ليس بها ندوب تقهر!..
تنهد بعمق نافضا كل ذلك عن رأسه وضع كف يده على وجنتها بحنان يمرره عليها بلطف وهدوء ثم بهدوء ورفق حاول أن يجعلها تستفيق عندما هتف باسمها بشغف وحب..
فتحت عينيها العسلية بهدوء ووجدت نهر من اللون الرمادي المختلط مع درجاته ينظر إليها بحنان وضعف يتخلله الشغف الكبير
صباح الخير.. كل ده نوم..
أبصرته بقوة وهي تفتح عينيها أكثر عليه ثم استوعبت أنه هنا يتحدث معها بأريحية!.. اعتدلت في جلستها وهي تمسح على وجهها بكف يدها ثم نظرت إليه مرة أخرى بهدوء دون حديث..
ابتسم بوجهها بحب خالص وكأنه يقول لها مهما حدث بينا هنا الحب قابع داخل قلوبنا ومهما مر عليه لن يزداد شيئا
متابعة القراءة