رواية رحلة الآثام بقلم منال سالم
المحتويات
قبل أن يضيف ممدوح في صوت مال للحقد رغم أنه كان هادئا
ومهاب بنفسه عامل طاقم جراحة متخصص وعلى أعلى مستوى عشان خاطرها.
على ما يبدو اغتاظ ممدوح من طريقة تفسيرها للوضع وإن كانت بشكل عابر فهتف في تحيز متحامل
ما أنا قايلك ده جواز مصلحة من الأول.
لاحظت ذلك التعبير الغاضب الذي تجسد على وجهه فاهتزت ابتسامتها وحاولت تغيير الموضوع فقالت بلا ترتيب
استحسن فكرتها فأردف بعد تنهيدة بطيئة
أيوه.
تصنعت تهاني الضحك وتابعت ممازحة
فرصة أشوف مين اللي قدرت على مهاب.
وكأنه أيد فكرتها فثمة شيء يدور في عقله لم يفصح عنه بعد نظر ممدوح تجاهها وقال بعدما ألصق بزاوية فمه ابتسامة غامضة
وماله! زيارة المړيض واجبة!
ثم حاوط زوجته من كتفيها متسائلا
أجابته نافية
لأ خلاص.
خفض من ذراعه ليمررها على ظهرها متسائلا
البنات مع المربية
كان ردها مختصرا
أيوه.
بدت ملامحه هادئة لكن نظراته
تحولت للقساوة وهو ينتقل للسؤال التالي
وأوس عملتي معاه إيه
رغم أنها لم تكن مقتنعة تماما بتقريعه أو فرض المزيد من الضوابط الصارمة لسلوكه لكونه لم يفعل ما يستحق ذلك إلا أن خالفت شعورها الأمومي وانصاعت لرغبات زوجها فرمشت بعينيها قائلة
وكأنه ينتظر منها هذه البادرة ليستمر في وصلة فرض سيطرته وسطوته استراح لتصرفها ومدحها
برافو عليكي خليه يتأدب.
استخدمت نصل سکين مطبخها غير المشذب في قطع طرفي حبة الفاصولياء قبل أن تقطعها إلى أجزاء متفاوتة في حجمها لتلقي بها في الوعاء البلاستيكي ثم مدت يدها والتقطت أخرى من حجرها لتدير بعدها رأسها تجاه جارتها التي جاءت لمشاركتها نهارها بالثرثرة معها.
أرادت دعمها معنويا حتى لو لم تفعل شيئا فردت بتفاؤل
بكرة ربنا يفتحها على سي عوض والقرش يجري في إيده.
مصمصت شفتيها بصوت هازئ وقالت بنبرتها المتهكمة دوما
قلبك أبيض...
وشت نظرتها إلى جارتها في هذه اللحظة بسخط عظيم أعقبه ترديدها
ده زي ما بيكون فيه بينه وبين الفلوس عداوة لا هي بتقرب منه ولا هو بيسعى يجيبها.
طب مابتفكريش تشتغلي يا دوسة
حدجتها بهذه النظرة الساخطة وهي تخبرها بتأفف
والمنيلة دي أوديها فين
شهقت معترضة على نعتها المسيء وعاتبتها
ماتقوليش عليها كده دي ملاك.
استمرت فردوس على نقمها هاتفة
ما أديكي شايفة هي هادة حيلي طول اليوم ولا بأرتاح ولا بتريحني.
عموما لو وقع تحت إيدي حاجة كويسة هعرفك.
اكتفت بالرد المقتضب وهي تكمل تقطيع الفاصولياء وامتعاض كبير يغلف كامل تقاسيم وجهها
طيب.
حينما استفاقت من تأثير المخدر وبدأ عقلها يتيقظ ويدرك ما يحيط بها وجدت نفسها مستلقية وهامدة على فراش طبي في غرفة غارقة في اللون الأبيض في البداية ظنت أنها فارقت الحياة وانتقلت للعالم الآخر إلى أن بدأت تطوف ببصرها على ما حولها فرأت محلولا ما يتدلى من حامل مجاور لها تنزل قطراته وتنتقل عبر أنبوب شفاف ممتد حتى رسغها وموصول به عن طريق هذه الإبرة الطبية. تنشطت ذاكرتها بما حدث في الساعات الأخيرة هي خضعت مرغمة عندما شعرت بوخزة طفيفة في جانبها واغرورقت عيناها بالدموع تأثرا پصدمة استئصال جزءا من كيانها كأنثى. صوته المخملي المنادي باسمها والذي تسلل إلى أذنها جعلها تدير
حمدلله على سلامتك.
سألته بشكل ساذج
أنا فين
إنتي عندي في المستشفى يا آنسة ناريمان.
أدركت سخافة سؤالها وأصغت إليه وهو لا يزال يتابع حديثه الهادئ إليها
في طاقم طبي موجود هنا بس لرعايتك ومتابعة حالتك.
حركت بصرها للجانب الآخر فرأت عدة أشخاص مجتمعين وفي حالة تأهب واضحة عند
العملية نجحت وإنتي هتبقي كويسة.
قبل أن تنطق بشيء ولج إلى الغرفة ممدوح ألقى عليها نظرة متأملة ومتفرسة في ملامحها مستطردا
مساء النور.
انزعج مهاب
من وجوده وظهر ذلك على محياه فأردف الأخير متسائلا بتهذيب مريب
ينفع أدخل
رد عليه باستهجان
ما إنت موجود يا ممدوح!!
أخبره بنفس الطريقة اللبقة
لو حابب أمشي فمافيش مشكلة عندي أنا بس جاي أطمن على الهانم
لئلا يبدو فظا معه قال على مضض
خليك.
وضع ممدوح على شفتيه ابتسامة صغيرة ليقول في أسلوب شبه مرح
ليك حق تحط المستشفى كلها في حالة طوارئ.
فرقع مهاب بإصبعيه ليصرف الطاقم الطبي فغادروا تباعا وممدوح لا يزال يتكلم بخبث وبعبارات غزل صريحة
إنت خاطف القمر من السما وجايبه عندنا.
نظرت ناريمان بتحير إليه فأوضح مهاب هويته بوجه مشدود
ده دكتور ممدوح صاحبي ومعانا هنا في المستشفى.
استعتبه رفيقه بنظرة لئيمة وعاد ليحدق في وجه هذه الفاتنة مسترسلا في الحديث بشكل لم يسترح له رفيقه
بس كده قولها احنا عشرة عمر نعرف بعض من واحنا أد كده ونعتبر كل حاجة بنعملها سوا.
كان يعلم في قرارة نفسه أن قدومه لن يكون يسيرا بل مصحوبا بالتلميحات والتوريات وربما الإيحاءات المھددة لهذا ضبط من أعصابه وتعامل بهدوء محاولا عدم إبداء أدنى ردة فعل.
جاءت تهاني هي الأخرى فأقبلت على المړيضة لتتفقدها وهي تخاطبها في ودية عجيبة
حمد لله على السلامة يا آنسة ناريمان.
استغل ممدوح فرصة وجودها ليقول بإطراء مغيظ
وأدي مراتي الحلوة جت كمان.
تفقه مهاب للعبة السخيفة التي يديرها ممدوح بتمثيل اهتمامه بمتابعة حالتها وتعامل برسمية بحتة مع كليهما
أعرفك بالدكتورة تهاني مامت أوس ابني.
وماتنساش هي أم بناتي الغاليين ليان وبيسان.
حينها حدجه رفيقه بنظرة محتدة فلم يكترث ممدوح لأمره كان متواجدا فقط لاستثارة أعصابه وإظهار الجانب الخفي الآخر من شخصيته الماكرة. تحول مهاب بناظريه ناحية تهاني عندما تحدثت هي الأخرى
إن شاءالله تخرجي من هنا في أسرع وقت دكتور مهاب مش أي جراح ده عبقري في مجاله.
افتعل ممدوح الضحك وأبدى تأييدا كبيرا لما فاهت به في سخرية متوارية
أومال مافيش حاجة بتستعصى عليه ده احنا كلنا بنتعلم منه أصول الطب.
أنهى جملته وهو يغمز له بطرف عينه مما جعل مهاب يهتف في صبر نافد
المړيضة محتاجة ترتاح اتفضلوا على أشغالكم.
عبس ممدوح بملامحه وانتقل بعينيه إلى المړيضة المرهقة شاكيا إليها
شايفة بيتعامل معانا إزاي بطريقة المدير والمفروض احنا أصحاب وعيلة واحدة
لحظتها لم يتمالك أعصابه وهدر به بصوته الآمر وهو يشير بإصبعه
خد مراتك وامشي.
بشكل لا إرادي ارتاعت منه تهاني وانسحبت مغادرة على الفور بعد ترديد تحية مقتضبة بينما رفض ممدوح التحرك قبل أن يقول بغموض مثير للريبة وكأنه يظهر استمتاعه باللحظة الملتوية
مرة تانية حمدلله على سلامتك يا آنسة ناريمان وأنا واثق إننا هنتقابل تاني قريب ما احنا زي ما قولتلك نعتبر كلنا عيلة واحدة.
ظل مهاب متجهما مشدود الوجه تظهر في نظرته نحو رفيقه توعدا قاسېا حافظ ممدوح على ثبات ابتسامته المستفزة وانصرف وهو يدندن بصافرة خاڤتة ما إن ابتعد حتى تساءلت ناريمان بفضول متعجب
هو ده فعلا صاحبك
بعد زفرة بطيئة أخبرها في إيجاز
أيوه.
شعر من نظرتها إليه أن رأسها يعج بالأسئلة حول طبيعة علاقته به لذا قطع عليها أي فرصة للاستخبار عنه ولو بصورة مؤقتة بقوله المهتم وهو يمد يده ليمسح بنعومة على جانب وجهها
أنا عايزك ترتاحي دلوقت وماتفكريش في حاجة...
راح يطالعه بنظراته الدافئة الحنون وهو يتم جملته
كل اللي يهمني إنتي وبس.
ابتسمت لمعاملته الحانية معها وأغمضت جفنيها مستسلمة لشعور الخدر الذي أخذ يداعبها مجددا لتنجرف مع موجات النوم التي حاصرتها من كل اتجاه.
للمرة العاشرة أعاد في ذاكرته استحضار ما
حدث من تطورات فجائية في حالة ناريمان الصحية خاصة أثناء إجرائه لهذه الجراحة الخطېرة وما نجم عنها من مضاعفات أدت لاستئصال رحمها. لم يرغب في إطلاعها على الحقيقة المفجعة وإلا لخرجت الأمور عن السيطرة.
في سيرة تامة التقى مهاب بأفراد طاقمه الطبي المشاركين في الأمر في غرفة الاجتماعات مانعا أي أحد من اقټحام مجلسهم إلى أن ينتهي منه. طأطأ جميعهم رؤوسهم في ارتباك وتوتر وهم يقفون متجاورين في صف واحد بمؤخرة القاعة. تجول بينهم بثبات ثم خاطبهم في لهجة غير متساهلة تحوي ټهديدا صريحا
لم يجرؤ أي فرد منهم على الاعتراض أذعنوا إليه تماما وهو يزيد في تهديده
ومش بس كده هخرب بيوتكم وهسجنكم.
ارتفعت نبرته إلى حد ما وهو يسألهم
كلامي مش بيتعاد مرتين مفهوم
اختلفت إيماءات رؤوسهم لكنها اتفقت في إظهار كامل الطاعة له بعدما فرغ من تلقينهم جديد أوامره صرفهم بقوله الصارم
اتفضلوا.
استجابوا في الحال وغادروا دون أن يتفوهوا بكلمة واحدة حتى بين أنفسهم ليسير بعدها مهاب بتمهل متجها إلى رأس الطاولة. تنهد في ارتياح وسحب المقعد بهدوء ليجلس عليه مسترخيا
يتبع الفصل الخامس والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
وهم الهوى
بمعاونة اثنين من الممرضات انتقلت من على فراشها الطبي وسارت بتؤدة وخطوات متمهلة نحو الحمام الملحق بغرفتها. نزع عنها رداء المشفى وأصبح جسدها مكشوفا لتقوم الممرضتان بتنظيفه وإزالة آثار الډماء العالقة ببدنها جراء عمليتها الجراحية الحرجة. لم تتمكن ناريمان من رؤية الچرح لكونه مغطى بالضمادات الطبية لكن ذلك الشعور الغريب بالخواء ناوشها بقوة فما مرت به لم يكن هينا ولا زالت في انتظار تبعاته الخطېرة.
مجرد التفكير بشكل تشاؤمي جعل أعصابها تتلف وأطرافها ترتجف ما لبث أن امتلأت حدقتاها بالدموع وباتت في حالة من الهياج لذا صړخت في الممرضتين بعصبية عجيبة
إنتو بتعملوا فيا إيه
تبادلت الاثنتان مع بعضهما البعض نظرات حائرة وبادرت إحداهما بالكلام في أدب
احنا بنساعد حضرتك.
لكزتها ناريمان في ذراعها ورفضت الاستناد عليها ليظل صوتها ېصرخ فيهما
سيبوني مش عاوزة حد يمسكني!
وراحت تنهال عليهما بألفاظ مهينة فاندهشت الممرضتان من تصرفها العدائي نحوهما وهما لم ترتكبان أدنى خطأ يستحق ذلك الانفعال الكبير أو حتى التوبيخ المسيء ومع ذلك لاذت كلتاهما بالصمت وحاولتا التعامل معها بتعقل وثبات انفعالي إلى أن انقضت مهمتهما وعادا بها إلى الغرفة لتتمدد على الفراش الذي تم تغيير أغطيته. تحدثت إحداهما إليها في ودية لا تخلو من الرسمية
ارتاحي يا هانم عقبال ما أنادي على دكتور مهاب علشان يشوف حضرتك
بقيت نبرتها أقرب للصړاخ وهي تعلق عليها بتشنج
خليه يجي بدل ما أنا مرمية هنا وسط بهايم بيتعبوني وبس!
ابتلعت الممرضة مرارة الإهانة وهزت رأسها في طاعة لتنصرف بعدها بينما ظلت الأخرى مجاورة لها حتى تراقبها وتلبي طلباتها إن احتاجت شيئا خاصة أن الأوامر كانت صريحة ومحددة بشأن رعاية هذه المړيضة الهامة ومخالفتها تعني التعرض للعقۏبة وربما الطرد الفوري من هذا المشفى الاستثماري الضخم.
.......................................................
الدندنة الرقيقة من المربية للرضيعتين جذبت مسامعه واستحثته على التمرد على الأوامر الصارمة والتوجه إلى غرفة التوأم. لعدة دقائق تسمر أوس في مكانه عند عتبة الباب يتأملهما في صمت ودون أن يخطو خطوة للداخل انشغلت المربية بتبديل ثياب الرضيعة بيسان وعندما وجدت أنها بحاجة للاغتسال أخدتها إلى الخارج وتركت الأخرى بصحبة شقيقها الأكبر بعدما أوصته بالانتباه لها.
في البداية لم يكن مهتما بطاعتها وكان على وشك الانصراف لكن همهمة الرضيعة
متابعة القراءة