رواية رحلة الآثام بقلم منال سالم
المحتويات
لحجرة مكتبه. رفع المحامي نظره إلى رب عمله عندما شدد عليه بلهجته الصارمة
زي ما فهمتك يا حضرت الأفوكاتو.
في طاعة تامة علق عليه
اطمن يا فؤاد باشا كل اللي أمرت بيه هيتعمل.
تأكد الأخير أنه لم يغفل عن شيء مما كلف به وأضاف في تهذيب
استأذن معاليك.
أشار له فؤاد بيده لينصرف قائلا
اتفضل.
أثناء خروجه تقابل مصادفة مع سامي الذي رمقه بنظرة حائرة مستغربة لوجوده حاول استدراجه في الحديث ليعرف سبب زيارته لكنه لم يمنحه ما يسد به رمق فضوله فاتجه الأخير في الحال إلى مكتب أبيه ظل يراوغ ويحاور في مواضيع شتى إلى أن انتهى به المطاف متسائلا بنبرة مالت للتحقيق وهو يتفرس في قسماته
أخبره بوجه شديد الصرامة دون أن ينظر إليه
موضوع مايخصكش.
بهتت ملامحه للغاية من إحراجه المتعمد له وقال حفظا لماء وجهه المراق
أنا بس بطمن لأحسن يكون في مشكلة ولا حاجة يعني مافيش داعي حضرتك تتعب نفسك كل اللي يمهني سلامتك وأنا موجود عشان آ...
قاطعه في صوت آمر غير متساهل
روح على مكتبك دلوقتي لما أحتاجك هناديلك.
تمام يا باشا.
بدا في وجهه التذمر لأنه لم يعرف السر الذي يخفيه والده عنه خاصة مع تكرار قدوم محاميه الخاص دون أن يتم استدعائه لحضور لقائهما والذي يرتبط في الأغلب بالعمل والاتفاقات المتعلقة به لذا شك أن يكون الأمر أخطر مما يجيء في تصوره. تكلم سامي مع نفسه بعزم وهو يسير نحو مكتبه
انتابتها قشعريرة مريبة ومبررة عندما وطأت خارج جدران بيتها ندمت لأنها وافقت على ذلك وسارت وشعورها بالرهبة يغمرها مجاورة لزوجها اختلست النظرات على من حولها كانت تخشى من أي ردة فعل غير متوقعة حينما يراها أحدهم فقد توهمت أن الجميع مازالوا يذكرون تفاصيل ليلتها الدامية بعدما شاهدوا بأعينهم ما جرى حينها. هدأت خواطرها المتوترة نسبيا عندما وجدت أن هواجسها غير حقيقية. استعادت جأشها ومشت پخوف أخذ في التناقص حتى بلغت بنايتها القديمة. تركها عوض عند المدخل وقال
أولته ظهرها مرددة بوجه شبه عابس
طيب.
تقابلت عند صعودها على الدرج مع جارتها إجلال التي كانت تنفض السجاد سعدت الأخيرة للغاية لرؤيتها وهللت في سرور متعاظم
دوسة حبيبتي.
احتضنتها وانهالت عليها بعشرات القبلات على كل وجنة وعاتبتها برقة
كده يا دوسة تنسيني يا حبيبتي
ردت بوجوم بائن
تصنعت إجلال الضحك ومازحتها
شكل صحتك مش جاية على الجواز.
لم تجد منها أي تعليق فندمت على طرفتها على الموفقة وتساءلت لتغير من مجرى الحوار
إنتي عاملة إيه بقالنا كتير مشوفناكيش هنا هو سي عوض مانعك تزوري خالتي ولا إيه
نفت بهزة من رأسها وأجابتها صراحة وبنبرة مشوبة بالهم
لأ أنا اللي مكونتش حابة انزل من البيت.
مش هعطلك يا دوسة عشان تلحقي تقعدي مع خالتي شوية إن شاءالله نتقابل تاني.
تنهدت مغمغمة في نفس النبرة الموحية بالتعاسة
ربنا يسهل.
شهدت إجلال كيف يمكن لمشاعر الحب حينما يتم الغدر بها أن تتبدل لأخرى
على النقيض ناقمة
ساخطة وغير مقبلة على الحياة لأن أحد الطرفين كان منذ البداية مستغلا ومنافقا.
رغم استقبالها الحميمي والحار لها إلا أنها شعرت بأنها مجرد ضيفة عابرة بأن ما في المنزل ما عاد يخصها. اقتضبت في الحديث مع والدتها والتهت بتنظيف ما احتوى على الغبار لئلا تحادثها بما لا تريد البوح به خاصة ما يخص طبيعة علاقتها الفاترة مع زوجها. انقلبت سحنتها حينما جاءت خالتها على غير ميعاد وكأنها لا تبدو مرحبة بوجودها. سألتها أفكار بفضول وهي تجول بعينيها عليها من رأسها لأخمص قدميها
مالك يا دوسة خاسة كده ليه
ردت عليها وهي تجفف الأرضية المبتلة تحت قدميها بمنشفة جافة
أنا زي ما أنا.
تدخلت عقيلة في الحوار وأخبرتها بعد زمة سريعة لشفتيها
وربنا أنا قولت هي مابتكلش.
سكتت أفكار لهنيهة ثم تكلمت عاليا وبنزق
لأحسن تكوني حبلى!!
شهقت فردوس مصډومة وتوقفت عن التجفيف وهي منحنية على ركبتيها لتتطلع إليها بعينين مصدومتين في حين تابعت خالتها متسائلة بمكر
هو إنتو بقالكو كام شهر سوا
ردت عليها بوجوم
عيب يا خالتي الكلام ده.
ضحكت في تسلية وأصرت عليها بسخافة
يا بت هتعملي مكسوفة ولا إيه علينا برضوه!
مرة ثانية شاركتهما عقيلة الحديث وقالت بتعبير شبه جدي
أكيد لو في حاجة هتقول.
لم تبد شقيقتها مقتنعة بذلك وأردفت في نفس الأسلوب السمج المستفز
ده احنا بقالنا شهور مابنشوف وشك يعني لازما غرقانين في العسل والدلع وآ...
ضجرت فردوس من سماعها لمثل هذه التلميحات المتجاوزة وكأنها حقا تنعم بحياة هانئة مع من اختارت لذا أنكرتها في التو وبغير احتراز
محصلش هو احنا أصلا بنقعد سوا!!!
توقفت كلتاهما عن الكلام لتحدقا في وجهها بنظرات جمعت بين الدهشة والذهول آنئذ أدركت فردوس أنها أخطأت في إبلاغهما بحقيقة وضعها. استقامت واقفة ومسحت كفيها في جانبي قميصها المنزلي لتتجه بعدئذ بعينيها نحو أمها عندما لطمت على صدرها تسألها في جزع
يا نصيبتي ليه كده يا بت
أجابتها بوجه ممتعض
مافيش يامه مالناش نفس لبعض.
نظرت لها أفكار شزرا وعقبت بنبرة مليئة بالاستهجان ويدها تشير إليها باحتقار
طبعا ونفسه هتتفتح إزاي شوفي بوزها ممدود شبرين لقدام!
اشټعل وجهها غيظا من أسلوبها الفظ فلم تكف عن مضايقتها واستمرت تقول
بقى ده شكل واحدة هتخلي جوزها يلبد في البيت ليه حق يكون معظم الوقت طفشان!
هتفت بها في حدة وقد اشتاطت ڠضبا
مالوش لازمة الكلام ده يا خالتي!
لم تكترث لأمرها وحذرتها بشيء من الھجوم
إنتي لو فضلتي على نفس الحال مش بعيد تلاقيه متجوز عليكي.
انقبض قلبها وراحت تصيح بالتياع ممزوج بالضيق
ماتقوليش كده...
منحتها خالتها نظرة مستخفة بها فدافعت عنه بثقة عمياء
عوض مالوش في الكلام ده.
أكدت لها بما زعزع يقينها تجاهه
يا عين أمك الرجالة كلهم صنف واحد لو ملاقوش الراحة في بيتهم هيدوروا عليها برا!
ثم مصمصت شفتيها وسألتها في جرأة
على كده بقى بتلبسي ليه الشفتشي!!
تضرج وجهها بحمرة خجلة ورمشت بعينيها مهمهمة
عيب كده!
ضحكت ساخرة منها ووكزتها في جانب ذراعها لتخبرها بعد ذلك بنبرة ذات مغزى
يا خايبة! وربنا الراجل ده ليه الجنة إنه مستحمل منك نشفان الريق!
كزت على أسنانها في حنق ومع ذلك لم تعلق عليها بينما استمرت أفكار تتكلم مخاطبة شقيقتها كنوع من التحذير
وعيها يا عقيلة بدل ما ترجع تقعد جمبك بخبيتها الكبيرة!
على الرغم من فظاظة طريقتها إلا أنها كانت محقة في إنذارها وهذا ما جعل شقيقتها ترتاع من احتمالية انفصال ابنتها أو على الأغلب زواجه بأخرى لتعاني بقساوة من الأمرين.
مع مرور الوقت نما بينهما شيء أعمق من الود لكنه ما زال مغلفا بالحيطة والحرص ولم يتجاوز الحدود فرغم هجر مهاب لها إلا
أنها حافظت على مسمى
علاقتهما إلى أن تنتهي بشكل رسمي. لن ينكر ممدوح أن مشاعر الغيرة قد بلغت منتهاها لديه عندما انكشفت له شخصية تهاني الإنسانية تلك التي لم ولن ينظر إليها رفيقه مطلقا كم حقد عليه لكونه تفوق عليه في الظفر بها! آه لو سبقه في النيل منها لربما اختلف كل شيء الآن. مرة أخرى اصطحبها لأحد المؤتمرات الطبية وكالعادة أصر على اشتراكها في محاضرة الضيوف ولم تعارضه مثلما فعلت في السابق فخبرتها لم تعد محدودة في هذا المجال. تقوست شفتا تهاني عن ابتسامة مشرقة وهي تستطرد
شكرا يا دكتور ممدوح على كل حاجة عملتها عشاني حد تاني كان استغل الموقف واتخلى عني مش يدعمني بالشكل الكبير ده عشان أنجح.
رمقها بهذه النظرة الدافئة المليئة بقدر من العتاب قبل أن يرد
هزعل منك بجد لو فضلتي تقولي كده!
تلونت بشرتها بحمرة نضرة فقال عن قصد ليزيد من إرباك مشاعرها
إنتي غالية عندي.
افتقارها لسماع ما يداعب مشاعرها المرهفة كأنثى جعلها تواقة دوما لمثل هذه العبارات الناعمة التي تجعلها متأهبة لاستقبال المزيد. نظرت إليه بنظرة مختلفة وهو يؤكد لها مبتسما
وأنا واثق إنك قريب أوي هترتاحي من كل مشاكلك.
تضمن جملته تلميحا حذرا يخص علاقتها الشائكة مع زوجها تنهدت مليا وهمهمت في رجاء كبير
يا ريت.
أدهشه تفوقها العلمي ولباقتها الأدبية فكانت لأغلب الوقت محط أنظاره لا يرى سواها ولا يسمع غيرها كان في كامل انتباهه لكل شاردة وواردة تصدر عنها رغم جلوسه في مؤخرة القاعة لكن زاويته أتاحت له رؤيتها بشكل أفضل ودون إثارة الريبة أو التساؤلات بقي مستغرقا في تأملها إلى أن هبط عليه ظلا غريبا جعله يدير رأسه للجانب ليمعن النظر فيمن حجب الرؤية عنه سرعان ما اعتلت قسماته صدمة جلية فهتف في غير تصديق وقد اتسعت نظراته بشدة
مهاب!
ضړب كتفه بيده وجلس إلى جواره قائلا بعنجهية
مفاجأة مش كده
سحب ممدوح شهيقا عميقا ليضبط به نوبة الاضطراب التي أصابته لفظه على مهل ثم سأله مستفهما في صوت شبه هادئ
ماقولتش إنك جاي ليه على الأقل كنت روحت بنفسي أستقبلك في المطار!!
رد عليه في خبث ونظرة غامضة تصدح من مقلتيه
وأبوظ المفاجأة عليكم
تحفز ممدوح في جلسته وسألته بتحير قلق بعدما اختفت البسمة من على محياه
إنت عرفت منين إن احنا هنا
رفع حاجبه للأعلى قليلا وأجابه
مافيش حاجة بتستخبى عليا.
ثم اتجه ببصره للأمام لتقع عيناه على زوجته وتابع بنبرة موحية
أنا شايف إنك قايم بواجبك على الآخر مقصرتش مع تهاني.
قال كأنما يسخر منه
مش إنت موصيني
مجددا ضړب على كتفه بيده قبل أن ينهض ليخبره
وإنت الصراحة عملت بالوصية وعوضت غيابي.
كلماته كانت منتقاة ومبطنة بتلميح مفهوم نظر إليه بشيء من التوجس والقلق ثم تساءل كمحاولة للتغطية على ذلك
أخبار فؤاد باشا إيه
مط فمه للحظة وأجابه
بقى أحسن.
تصنع الابتسام معقبا
طب كويس.
أشار مهاب برأسه نحو المنصة ثم خاطبه في تشف وهذه الابتسامة اللئيمة تتراقص على زاوية فمه
فرصة بقى أطلع أشجع مراتي ولا إيه رأيك
غام وجهه كليا وانعكس ذلك أيضا في نظراته إليه بصعوبة حاول مبادلته الابتسام حينما رد عليه
اتفضل.
كاد ينهض ليسير معه لكنه ضغط على كتفه ليبقيه جالسا في مقعده وهو يكلمه بلهجة الآمر الناهي
خليك مطرحك أنا عارف سكتي كويس!
ثم أطلق ضحكة خاڤتة كأنما يستهزئ به قبل أن يوليه ظهره ويتقدم للأمام تاركا إياه يغلي بين أحقاده.
ركزت عينيها على زجاجة الماء البلاستيكية الموضوعة أمامها إلى أن أحست بانقباضة غير مريحة ټضرب في صدرها وكأن حدسها يخبرها بشكل غير مباشر باتخاذ حذرها في
عفوية تامة تطلعت للأمام وأبصرته كانت مفاجأة
مدوية ما لبث أن استدعى عقلها لحظات المڈلة والإهانة وهو يسير في خيلاء تجاهها وكامل نظراته عليها توقفت عن التنفس كما جحظت عيناها على اتساعهما ورددت بقلب يدق في هلع
مهاب!
بقيت على حالتها المصډومة للحظات إلى أن استعادت رشدها فنهضت مستأذنة من على منصة الحضور محاولة الفرار منه قبل وصوله لكن لحظها التعس شعرت بذراعه القوية تطوق كتفيها
متابعة القراءة