رواية اوتار الفؤاد بقلم منال سالم
حيث ترقد
زوجته وإلى جوارها في فراش صغير ينام مولوده لحظة تكررت اقشعر لها بدنه خفقات متتالية سريعة أصابت قلبه جعلته في حالة سرور غير محدودة مرق بين المتواجدين ليقترب من تقى تأمل وجهها المرهق من عناء الولادة بنظرات مطولة مسح على جبينها وقبله هامسا لها
حمدلله على سلامتك
ردت بوهن رافعة عينيها إليه
الله يسلمك شوفت ابنك
سمي بالله كده وشيل ابنك يا باشا
لكزتها تهاني بخفة في جانب ذراعها تنهرها عن مقاطعتها لتلك اللحظات الجميلة عبست تعابيرها وردت عليها بصوت خفيض
هو أنا قولت حاجة!
همست لها تحذرها
مش عاوزين قلق يا فردوس لمي الدور الله يكرمك!
طيب
قالتها على مضض حتى لا تفسد تلك الأجواء العائلية الدافئة الټفت أوس بعينين هائمتين إلى الجانب وقلبه يكاد يخترق ضلوعه من فرط حماسته حملق في مولوده بعينين حبستا الدموع فيهما لا يعرف ما الذي أصابه لتلمع حدقتاه بعبرات تعبر عن فرحته الشديدة انحنى نحوه بتمهل ومرر كفيه أسفل جسده الضئيل ليحمله ارتجف ذراعاه وهما ترفعان إياه للأعلى ضمھ إلى صدره بحنو أبوي ليستشعر الرضيع نبضات والده المتلاحقة استدار نحو زوجته قائلا لها بنبرة امتزجت فيها سعادته مع خوفه
علقت عليه فردوس
ما هو حتة لحمة حمرة
رمقها أوس بنظرة صارمة جعلتها تتراجع للخلف وتتوارى عن أنظاره مؤقتا كي لا يلقي بها من نافذة الغرفة لإزعاجها المستمر له سألته تقى بصوتها الضعيف
فكرت تسميه إيه يا حبيبي
أجابها مبتسما عن ثقة
أيوه
ثم ركز بصره على ذلك الكهل الذي جلس في مكانه يبتهل للمولى ويحمده على عطاياه ليقول بعدها بنفس الابتسامة المتفاخرة
رفع عوض رأسه فور أن سمع الاسم وقلبه يرقص طربا لم يكن يتصور أبدا أن حديثا عفويا نابعا من قلبه الطيب سيحفز ذهن أوس ليختار ذلك الاسم تحديدا ليطلقه على ابنه وكأن فيه نوعا من الترضية المبشرة له انسابت دمعاته تأثرا من تصرفه الكريم وأومأ له برأسه في امتنان صامت رددت تهاني بفرح وهي تحني رأسها لتقبل كتف ابنها
في تجمع عائلي خاص ومحدود احتفل أوس مع المقربين له ب سبوع الرضيع ريان كانت الأجواء لطيفة وهادئة الكل سعيد بانضمام فرد جديد للعائلة اقترب يامن من ابن عمه ليبلغه بآخر المستجدات في قضية شقيقته التي تم إيداعها بالمشفى الخاص بالأمراض العقلية والنفسية بعد أن ساءت حالتها كثيرا وأقدمت على الاڼتحار أكثر من مرة أشفق عليها أوس فقال له مؤكدا
رد بوجه خال من التعبيرات
مافيش داعي أنا متابع وضعها وبأزورها كده أحسنلها بدل ما كانت تخرب الدنيا وتضيعنا كلنا!
أوضح له من جديد
أختك اللي اختارت تعمل كده في نفسها
عقب عليه بتفهم
أنا عارف يا أوس
لمحها وهي تلج للشرفة فتحمس كثيرا للالتقاء بها بعد أن تعذر عليه الانفراد بها في أي مكان ليبوح لها كما اعتاد بمشاعره نحوها ويستمتع بتعبيرها المتواري والخجل عن حبها له فمنذ تقدمه لخطبتها وأوس يضيق عليه الخناق ليعذبه أكثر تنحنح مستأذنا وقد ظهرت أمارات التوتر عليه
ربت أوس بيده بقوة على كتفه قائلا له بتحذير وببسمة ساخرة وقد فطن لما يحاول فعله
ماشي بس ماتطولش برا عشان الهوا مش حلو عليك!
تنحنح يامن مجددا قبل أن يرد بارتباك وبابتسامة بلهاء
حاضر يا ابن عمي
أسرع في خطاه ليلحق بزوجته المستقبلية التي تنتظره في المكان الذي التقيا فيه مصادفة لأول مرة ناداها هامسا
هالة
التفتت على الفور نحوه ووجهها يشرق بابتسامة رقيقة وقف يامن قبالتها يتأملها بنظراته الشغوفة تنهد في رومانسية قائلا لها
وحشتيني
خجلت من تلك الكلمة وتوردت بشرتها سريعا ردت عليه بهمس وقد أخفضت رأسها لتتحاشى التقاء عينيهما
وإنت كمان!
رجاها بعبوس مصطنع
لأ بصيلي أنا وقتي محدود!
عادت لتحدق في عينيه بنظرات مفعمة بوهج الحب همس له بتلهف
هاتي إيدك عاوز أديكي حاجة
قطبت جبينها متسائلة
إيه ده
سحب رسغها للأعلى ليلبسها سورا رقيقا من الذهب قد اشتراه لها رمشت بعينيها في إعجاب صريح بذوقه الراقي في انتقاء هداياه ظلت يده محتضنة لكفها الناعم وفي تهور جريء منه أحنى شفتيه عليه ليقبله ارتعشت من قبلته وحذرته بعينين خائفتين
ماينفعش كده أوس باشا ه
قاطعها بإلحاح
اديني فرصة يا هالة!
وقبل أن يتمادى في تصرفاته سحبت يدها على الفور وتراجعت منكمشة على نفسها ونظراتها مسلطة على أحدهم في ړعب ابتلع يامن ريقه هامسا حينما لاحظ تعبيراتها المرتاعة
هو واقف ورايا مظبوط
هزت رأسها لعدة مرات مؤكدة على صحة تخمينه في حين أطبق أوس على عنقه يشده منه إلى الخارج وهو يوبخه
مش عاوز تلم نفسك!
رد مدافعا
أنا كنت بأديها هدية
سخر منه قائلا
أه وبتاخد منها العربون يالا من هنا!
بتطردني يا أوس
دفعه نحو باب الفيلا يهدده بجدية تامة ودون أن يرف له جفن
أحسن ما أعلقك وإنت عارفني مابهزرش! وبعدين أنا قايلك مافيش جواز قبل ما هالة تخلص كليتها!
رد بتذمر
بس كده كتير أنا هاخلل وأنا مستنيها!
لوح له بيده قائلا له ببرود قبل
أن يصفق الباب في وجهه
يكون أحسن مع السلامة!
اغتاظ يامن من شدته معه ومع ذلك وجد نفسه يبتسم تلقائيا فأحب ما عليه أن يرى حبيبته تنهي دراستها الجامعية بتفوق فيفتخر بها في كل مكان دار في
نكس رأسه في حزن مصطنع وعبوس مكشوف بعد أن ألبسه والده الزي الخاص بالسباحة ليبدو مستعدا لتمرينه اليومي في النادي حاول إقناعه بالتسلل إلى الطاولة الموضوع بها الميداليات المختلفة ليأخذ واحدة لنفسه وذلك لرفض مدربه إعطائه له قبل أن يشارك فعليا في المسابقات المقامة بالنادي وضع أوس يده أسفل ذقن صغيره ليرفع وجهه إليه نظر في عينيه بجدية قبل أن يقول له بصرامة الأب
احنا قولنا إيه يا ريان
ركل الأرضية بخفه البلاستيكي قائلا له في تذمر طفولي
I want one! أنا عاوز واحدة
حاول أن يقنعه بالعدول عن تلك الفكرة الخاطئة موضحا له بعقلانية
ما هو لما تكبر وتكسب هتاخد ميدالية منهم ماينفعش قبل كده ولو خدتها بدون إذن الكابتن هتبقى سړقة وده غلط والكل هيزعل منك وأولهم بابي ومامي
عبس وجه أكثر وهو يرد ببراءة
بس أنا زهقت الكابتن مش بيرضى يخليني ألعب قوله يا بابي إني I can swim
قال له مبتسما وهو يداعب خصلات شعره
عشان إنت لسه صغير وبقالك فترة بسيطة في التمرين
نفخ ريان ذي الأربع سنوات في عدم اقتناع وكتف ساعديه بضيق كبير حثه أوس على التحرك قائلا له بخشونة طفيفة
بلاش شغل العيال ده ويالا عشان متتأخرش
ثم أشار بعينيه إلى أحد أفراد حراسته ليلازمه وهو يأمره
مع الباشا الصغير
تمام معاليك
قالها الفرد الأمني بانصياع قبل أن ينفذ أمره ويسير ممسكا بيد الصغير إلى المنطقة الخاصة بتدريب الأطفال على مهارات السباحة تحرك أوس مبتعدا عن المكان ليتجه نحو الكافيه الخاص بالنادي أجاب على اتصال زوجته ليخبرها بنتيجة حديثه مع ابنه موضحا لها
أيوه يا حبيبتي أنا معاه في النادي وأقنعته بس يا ريت يلتزم!
صمت لثوان ليصغي لما تمليه عليه من رأيه الهام في اقتراحات تخص أغلفة روايتها الحديثة التي عكفت على كتابتها مؤخرا تنهد معلقا باهتمام
حاضر هاشوف الأغلفة وأقولك رأيي فيهم بس مقولتليش البطل شبه مين
أنصت باستمتاع لردها الذي يصيبه بالغرور ثم حذرها مداعبا
برضوه أنا! بس مترجعيش تزعلي لما المعجبات بتوعك يحبوني ويتخانقوا عليا!
كركر بعدها ضاحكا في استمتاع سعيد لنجاحه في إغاظتها أنهى المكالمة معها باحثا بنظراته عن ضيفه الذي أصر على الالتقاء به في اجتماع غير رسمي بالنادي كنوع من التعارف الودي قبل أن يشرعا في العمل سويا تنحى أفراد الحراسة بكلا منهما للجانب ليمرق أوس وسطهم نحو طاولة ذلك الرجل الذي أطفأ سېجاره الكوبي المشتعل فور أن رأه مقبلا عليه أغلق الأخير زرار سترته مرحبا به وهو يمد يده ليصافحه
أوس باشا أنا عارف إنك مش بتحب حد يشرب سجاير وأنا باحترم رغبتك!
أبدى أوس إعجابه ببادرته المهتمة بتطبيق قوانينه الصارمة دون انتظاره تأمله بنظرات متفحصة دارسة له كان قبل موافقته على مقابلته قد جمع ما يكفيه من معلومات عنه لم يجد ما يشوبه فهو حاليا صاحب شركة شقت طريقها منذ زمن في سوق العمل قبل أن تتعثر وتمر بأزمة طاحنة على يد مالكها الأسبق ليعود بعدها ذلك الشاب من الخارج ويتولى إدارتها ويعيد تثبيت ركائزها ببراعة في وقت قصير فاستعادت مكانتها بين الشركات القوية أفاق أوس من شروده المتطلع فيه على اعتذاره اللبق
اعذرني معاليك إن كنت هاخد من وقتك دقايق بس قولت دي فرصة نتعرف فيها على بعض ومش هاعطلك كتير!
رد عليه محذرا بلهجة قوية
مع إني مابحبش أخلط وقت الشغل مع العيلة!
أبدى اتفاقه مع قاعدته الجادة قائلا
أكيد بس لكل قاعدة استثناء ولا إيه
أكد له أوس مشيرا بنظراته الصارمة
بس مش لأي حد!
وافقه الرأي معقبا باقتضاب وهدوء
مظبوط يا باشا
سأله أوس مباشرة ودون أي مماطلة
قولتلي عاوزني أشاركك ليه
أجابه بصراحة وبلغة الواثق من نفسه بدرجة يحسده الآخرين عليها
أنا حابب أعمل توسعات لشركتي ومافيش أنسب من واحد معروف زيك بقوته في السوق وشدته مع العملاء إنه يكون شريكي في التوسعات دي وأنا متأكد إننا في أقل وقت هنحقق احنا الاتنين مكاسب خيالية وبطرق كلها مشروعة وعندي الضمانات الكاملة لده!
لم ينكر أوس أن طريقته في التعامل مع الأزمات وإدارتها قد أعجبته وخاصة أنه رأى بنفسه النتائج المبهرة على أرض الواقع لذا لم يكن ذلك الرجل بحاجة للتملق أو المجاملات لنيل استحسانه أو إبهاره بشكل مراوغ هز رأسه معلقا عليه في اهتمام
تمام أنا هاخلي محامين المجموعة
يدرسوا العقود ويقولوا رأيهم القانوني قبل ما أقول كلمتي الأخيرة
قال له ببسمة ثقة
حقك خد كل الضمانات اللي تريحك وأنا جاهز!
اكتفى أوس مما سمعه منه فأصالة الرجال الأشداء تظهر من تعاملهم حتى مع صغائر الأمور رفع أوس يده كتعبير عن مصافحته وموافقته الضمنية قبل أن يقول بصوته الأجش القوي
اتفقنا فرصة سعيدة يا
على الفور صافحه مضيفه وابتسامة زهو تعلو شفتيه ليرد عليه معرفا بنفسه بنفس الثقة التي تليق أيضا بأمثاله من الأقوياء
زيدان زيدان الباشا!
تمت بحمد الله