رواية اوتار الفؤاد بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز

إلى جواره تنحنح قائلا له بصوته الخشن وابتسامة جانبية متهكمة تعلو ثغره
سبحان من جمعنا من غير ميعاد! حد كان يصدق إن أنا وإنت اللي جايبنا نفس البني آدم المفتري ده هنا
ابتلع فارس آخر جزء في ثمرته بنهم وهو يرد عليه بفم ممتلئ
الدنيا صغيرة فعلا
مال عليه بعد أن تلفت حوله ليتأكد من عدم متابعة أحدهم لهما ليسأله بخفوت
المهم إنت معايا في اللي هنعمله عشان ناخد بحقنا منه
أجابه دون تردد وكأنه قد عقد العزم على التحالف مع الشيطان ليحقق مبتغاه منه
أنا معاك!
اتسعت ابتسامة منسي الماكرة لكن ما لبثت أن خبت قليلا وهو يتساءل في حيرة
وده هنوصله إزاي واحنا محبوسين هنا
أكد له فارس عن ثقة كاملة غامزا له بطرف عينه اليسرى
أنا ليا لي معارفي كبارات زيه بردك وهيقدروا عليه
صفق منسي بكفي يده معا كتعبير عن سعادته وهو يردد
ده كده فل أوي!
ظلا معزولان عن المحيطين بهما ولفترات متكررة يرسمان أحلامهما بالاڼتقام من أوس ويضعان المخططان وهما لا يدركان أنهما باتا محط أنظار أحدهم على وجه الخصوص لاحظ همساتهما المستمرة تقاربهما غير الطبيعي ولكونه كان مكلفا بمراقبة فارس خلال فترة احتجازه بتعليمات مباشرة من سيده بداخل السچن فأثار ذلك الود الغريب مع السمج منسي حفيظته وساورته الشكوك حولهما لذا أبلغ على الفور معلمه من معتادي الإجرام ليقرر أمرهما بعد أن يخبره بالمستجدات وها قد حسم الأمر وأتت التعليمات الجديدة بمعاقبة الاثنين بغلظة ودون إظهار أي رحمة
أحس فارس بعتمة مفاجأة حلت فوق رأسه

فالټفت برأسه للجانب ليجد شادوفة يطالعه بنظراته الشرسة شحب لون وجهه على الفور وهب واقفا بصورة فجائية فاختل توازنه وخر واقعا على ظهره ينظر له في ړعب لم يختلف حال منسي عنه كثيرا انتابه القلق لمجرد رؤيته صمت مشحون بالكثير من الارتباك والتوتر حل على الجميع قطعه شادوفة متهكما بلهجته الساخرة
سمعت ياض المثل اللي بيقول اتلم تنتون على تنتن
علق عليه أحد أتباعه مؤيدا
أيوه يا ريس
أشار شادوفة بعينيه نحو كليهما وهو يكمل إهانته اللاذعة
أهوو قدامك واحد نتن والتاني أنتن!
ابتلع فارس ريقه الذي جف كليا في حلقه محاولا لملمة شتات نفسه المرتعدة اعتدل في رقدته وزحف مبتعدا عن أقدامه وهو يبرر بتلعثم عله ينجو من بطشه
ريس شادوفة أنا 
فرك الأخير يديه الجافتين بتمهل متعمد قبل أن يقاطعه بنبرة ذات مغزى مريب
ده الحلوين متوصي عليهم من فوق أوي
جحظت عينا فارس بشكل مذعور حتما قد وصل الأمر إلى مسامع أوس الجندي فللأخير أعين منتشرة في كل مكان ولن يصعب عليه أن يعرف خبايا ما يدور بداخل جدران السجون وها قد حدث ما كان يخشاه أن يبادر بالاڼتقام منه عن طريق أحد المجرمين قبل أن ينال هو غرضه تكوم على نفسه أكثر واتخذ من زاوية الحائط الرطب مخبئا له في حين استجمع منسي جأشه ليقول بصوت شبه مهتز
احنا اعدين جمب الحيط يا معلم مالناش دعوة بحد
وكأنه لم ينطق من الأساس تجاهله شادوفة عن قصد ليدير رأسه في اتجاه أتباعه وهو يأمرهم بغلظة
عاوزين نروقهم
هوى قلبه بين قدميه متذكرا بړعب فور أن تصادم معه دون أن يجرؤ أحدهم على التدخل أو منعه من إيذائه انحبست أنفاسه في صدره وهو يسمعه يكمل أوامره
هاتوهم على دورة المياه
صړخ كلاهما يستغيثان
لا يا ريس شادوفة لالالالا!
باستحياء واضح على تعبيراتها الخجلة اضطرت أن تجلس بجواره في المقعد الأمامي تاركة مسافة جيدة بينهما فبدت منكمشة عن كونها جالسة بأريحية نظر لها يامن باندهاش وابتسامة لطيفة تعلو شفتيه لم يسألها عما تفعل فسعادته غامرة لوجودها معه وإحساسه بأنها تملك مشاعرا تخصه قاوم رغبته في اجتذاب أطراف الحديث معها قدر المستطاع إلى أن اڼهارت مقاومته فسألها بتنهيدة أظهرت مدى اهتمامه بها
إنتي مرتاحة وإنتي أعدة بالشكل ده
أجابته هالة برد تم برمجته مسبقا في عقلها
أيوه أنا كده مبسوطة
هز رأسه في عدم اقتناع وتطلع إلى الطريق أمامه قبل أن يدفعه شغفه للنظر إلى وجهها المشبع بحمرته الخجلة لم يلحظ نظراتها المتوترة التي كانت مثبتة على حركة السير انتابها هاجسا مرتاعا حينما انتبهت لاختلاف اتجاه الطريق المؤدي إلى منزلها هتفت بنزق
على فكرة ده مش طريق البيت!
أجابها يامن بهدوء ومرفقه مبسوط على جانب نافذته
ما إحنا مش رايحين هناك
سألته بنظرة هلع كانت بائنة عليها
أومال فين
فهم نظراتها فمازحها بابتسامة متسلية
إيه خاېفة لأكون خاطڤك
بلعت ريقها وردت بجمود محاولة إخفاء ارتباكها الملموس
لأ طبعا!
بدا غير مقتنع بإجابتها المقتضبة تقلصت أناملها وهي تضغط بقوة عليها لتضبط قلقها ثم بررت
أنا ماحبش أروح مكان مش عارفاه
ابتسم لها بعذوبة وهو يحاول طمأنتها بما لا يدع مجالا للشك في عقلها
أوس مكلفني نروح على دكتور التجميل
انزوى ما بين حاجبيها بقوة وهي تردد
دكتور تجميل!
تابع موضحا بجدية
أيوه عشان نكمل مراحل العلاج معاه وزي ما وعدتك كل حاجة هترجع زي الأول وأحسن
صمت لتفكر بتعمق في كلماته الأخيرة وقد كانت حائرة إلى حد ما انخفضت نظراتها نحو تشوهاتها المخبأة خلف كم كنزتها رددت بتخوف لم تجاهد في إنكاره
بس أنا 
رد مقاطعا بنفس صوته الجاد
ده مافيش اعتراض فيه ابن عمي قرر ومش هايقبل بالرفض
هتفت محتجة وقد عبست ملامحها
المفروض ياخد رأيي الأول!
تمتم يامن مع نفسه بخفوت ساخرا من تسلط أوس عليه وشدته معه
كان عملي اعتبار!
لم تسمع هالة جيدا ما قاله فسألته
بتقول إيه
ابتسم لها قائلا بلطافة
متاخديش في بالك ممكن تفتحي التابلوه اللي قدامك
ظلت عابسة وهي تسأله مستفهمة
ليه
ألح عليها بابتسامته التي ازدادت عذوبة
افتحي بس بعد إذنك
نفخت مطولا قبل أن تستجيب له وتفتح التابلوه المواجه لها اعتلى تعبيراتها صدمة مدهوشة وقد رأت ما وضعه بداخله مدت يدها لتخرج لوحا كبيرا من الشيكولاته الفاخرة حملقت فيه لثوان بفاه مفتوح تدارك نفسها ورفعت اللوح أمام أنظاره تسأله
إيه ده
أجابها ببساطة ونظراته تشع إشراقا ودودا
البنات بيحبوا الحاجات دي صح ولا أنا غلطان
تجمدت الكلمات على طرف لسانها كانت أول هدية تتلقاها من شاب لا تذكر أنها حصلت على تذكار خاص بها منذ طفولتها كان اختياره موفقا وفاتحا للشهية ترددت في القبول به وقرأ هو أفكارها لذا فقال لها
ولو مش عايزاها خلاص براحتك بس دي حاجة بسيطة يا هالة
لم تكن هديته بالشيء الخطېر فلو أتى أحدهم لزيارتها فلربما أهداها واحدا مثله كنوع من المجاملة كان من السخيف وغير اللبق أن ترفض هديته حسمت الصراع الدائر في عقلها بالموافقة عضت هالة على شفتها السفلى قائلة باستسلام
شكرا
رد عليها بتنهيدة صغيرة
العفو ويا رب ذوقي يعجبك
لاحت ابتسامة صغيرة

رقيقة على شفتيها لم تنظر نحوه وركزت عينيها على لوح الشيكولاته مستشعرة تلاحق دقات قلبها بين ضلوعها كان يامن متيما بها نظراته تفضح حبه المتزايد ود فقط لو منحته الفرصة لينطلق ويعبر لها عن مشاعره لكنه كان مجبرا على الالتزام بما عاهد أوس عليه ألا يضغط عليها إلى أن تسمح له بذلك
مسحت بنظرة بطيئة وشاملة باحة القصر التي كانت تعج قديما بأصحابه واليوم تحول المكان إلى دار تأوي العجزة والمسنين اقتحم عقلها مئات الذكريات وتداخلت بشكل متشابك لتمنحها شعورا بالاضطراب والقلق هنا نشأت وهنا اكتشفت خېانة الأقرب إليها وهنا علمت حقيقة نسبها وهنا اڼهارت قشعريرة باردة غلفت جسدها فضاعفت من ارتباكها الخائڤ أحست تهاني بما يختلج صدر ابنتها وما تعانيه رغم صمتها حاوطتها من كتفيها بذراعها لتضمها إليها لتشعرها بحضنها الأمومي المطمئن وغير المقيد بشروط على جسدها المرتجف همست لها برقة
متفكريش في اللي فات كانت صفحة في حياتك واتقفلت والمكان أهوو اتغير وبقى شيء مفيد لغيرنا
هزت ليان رأسها توافقها وقد ارتسمت على شفتيها المكتنزتين ابتسامة صغيرة قبل أن ترد
فعلا
ربتت تهاني بحنو على جانب ذراعها متابعة
تعالي نقعد مع الناس شوية ونسمع حكايتهم ما هو كل بيت فيه اللي يهد جبال
كانت محقة في كلماتها الأخيرة فخلف كل مسن عاجز حالفته الظروف وأتى للإقامة هنا ورائه حكايات لها العجب وتشيب لها الرؤوس بدأت كلتاهما في السير نحو الدرج الرخامي استوقفهما صوتا معروفا بعث الضيق على نفس تهاني التفتت برأسها للجانب لتجد شقيقتها تسرع في خطواتها لتلحق بهما عاتبتها بأنفاس لاهثة وهي ترفع طرف عباءتها عن الأرضية الرخامية
مش تستنوني أنا مش قادرة أجري وأحصلكم
تمتمت تهاني بخفوت لائمة نفسها
أنا عارفة إيه بس اللي خلاني أوافق أجيبك معانا!
دارت فردوس بعينين منبهرتين ومن خلف نظارتها القاتمة المصممة خصيصا لحالتها القصر وتصاميمه المعمارية من الخارج مرددة بصوت مرتفع عكس إعجابها الشديد
إيه الحاجات الأبهة دي!
ردت عليها شقيقتها توبخها
قولي ماشاءالله!
لوت ثغرها معقبة عليها
ما أنا قولت في سري هي شغلانة!
هزت تهاني رأسها في يأس محبط منها فمهما بذلت معها من مجهود لتعدل من طباعها الناقمة إلا أنها تجدها تعود سريعا إلى ما كانت عليه تجاهلتها مضطرة حتى لا تعكر مزاجها وتبقى صافية الذهن لتحتوي ابنتها التي بحاجة ماسة إليها عادت ملامحها للعبوس بقوة حينما سألتها فردوس بسماجة
مش تفرجيني كده على المكان الحلو ده أنا أول مرة أشوفه ولا يعني أنا مش أد المقام
كانت متأكدة كليا أنها لن تسلم من عباراتها المحفزة لإثارة حنقها لذا دون تفكير وكي تنتهي من إلحاحها المزعج
تعالي يا فردوس معايا
ثم أشارت لابنتها معتذرة
معلش يا ليان هاخد خالتك أوريها الدار عشان مش هانخلص النهاردة
ردت عليها ابنتها بابتسامتها الصغيرة
براحتك يا مامي أنا هاتمشى هنا 
قالت لها في امتنان
ربنا يباركلي فيكي يا حبيبتي ويحفظك من كل سوء
كانت فردوس غير عابئة بالثرثرة المملة بين تهاني وابنتها فتركيزها بالكامل كان منصبا على فخامة المكان الذي وطأته عاد إلى ذاكرتها مشهدا كانت هي بطلته المضطهدة حينما أتت إلى أبوابه قبل أشهر باحثة عن وحيدتها فيه ابتسمت لنفسها بتهكم متذكرة كيف طردت من عند أعتابه دون أن ترى داخله وها هي اليوم بشحمها ولحمها تقف فيه وكأنها ملكته حانت منها نظرة حاقدة على شقيقتها فبالرغم من كونها خالة صاحبه وبدلا من إكرامها بعد سنوات شقائها وتعويضها عن حرمانها الدائم إلا أنه عاملها بجفاء وقسۏة ومنحه لأختها ببساطة تلك التي لا يشكل معها الثراء حاليا أي فارق هيهات بين الماضي والحاضر فقديما سعت للاغتراب لتقابل من ينتشلها من مستنقع الفقر واليوم هي ترتضي بالقليل فقط لتحيا أخرجت فردوس تنهيدة ثقيلة من صدرها معبأة بالكثير من الهموم تقوست شفتها للجانب قليلا مغمغمة بتبرم
أرزاق !
انهالوا عليه بالضړب المپرح فخارت قواه وافترش الأرض المتسخة بجسده كان عاجزا عن صد ضرباتهم الموجعة تكوم فارس على نفسه بجوار الحوض الصدئ وهو يئن أفقدته الوعي لم يجرؤ أحدهم على التدخل ومنع ما يحدث الكل اتخذ الموقف الهروبي كالعادة حينما يتم اصطياد أحدهم والآن حان الدور على الضحېة
تم نسخ الرابط